القدس والمنطقة الدولية المقترحة عام 1947
Map Details
أدت الخطط التي وضعتها سلطات الانتداب البريطاني إلى تقسيم فلسطين، بدءاً من خطة اللورد بييل (Peel) عام 1937 (راجع الخريطة 7)، إلى عزل القدس عن كل من الدولة اليهودية المقترحة والدولة العربية. وتم هذا الاقتراح، اعترافاً بالطبيعة غير العملية لأي تقسيم منصف للمدينة.وانطلاقاً من الرغبة بمنع امتداد القدس وبيت لحم الواقعة جنوبها نحو مناطق الصراع العنيف؛ وهو أمر اعتقد المخططون أنه محتمل إن لم يكن لا مفر منه.
دعا اقتراح اللورد بيل إلى فرض انتداب بريطاني دائم على القدس وبيت لحم، بحيث يتم ربط هذه المنطقة بشاطئ يافا عبر ممر واسع يشمل معظم قرى غرب القدس الفلسطينية، بالإضافة لقرى منطقة الرملة. ويتعين على البريطانيين ضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة في المدينتين وحماية هذه الأماكن والحفاظ عليها تحت إشراف عصبة الأمم. استحضرت لجنة بيل وثيقة انتداب فلسطين الأصلية عندما تحدثت عن الحكم البريطاني للقدس باعتبارها "وديعة حضارية مقدسة"، لكنها لم تذكر أي نص واضح حول مشاركة الفلسطينيين واليهود في إدارة شؤونهم الخاصة، "هذه الوديعة لا تخص الفلسطينيين وحدهم، وإنما كافة الشعوب الأخرى في العالم التي تعتبر إحدى أو كلا هاتين المدينتين (القدس وبيت لحم) مقدسة لها".
تبنت خطط التقسيم اللاحقة، التي تم طرحها خلال سنوات الانتداب، الصيغة التي طرحها اللورد بييل "للتدويل" (وإن يكن تحت الحكم البريطاني)، مع تغييرات طفيفة اقتصرت على التعريفات الإقليمية لمنطقة انتداب القدس المقترحة . في نفس الوقت، سعت بريطانيا جاهدة للاحتفاظ بالسيطرة الإدارية على العاصمة. لقد أدى التوتر اليهودي – العربي، الذي تفاقم نتيجة لقيام بريطانيا عام 1937 باعتقال وإبعاد رئيس بلدية القدس، حسين فخري الخالدي، إلى تحييد دور البلدية وأنذر مراراً بتفجير نزاع خطير في المدينة. أعد السير ويليام فيتزجيرالد، رئيس قضاة المحكمة العليا في فلسطين، خطة جديدة للبلدية في عام 1945، وتدعى "خطة القصبة (بلدة ذات مجلس بلدي ببراءة خاصة)". وقد طرحت هذه الخطة المحافظة على وحدة المدينة، لكنها اقترحت إنشاء مجالس عربية ويهودية منفصلة، مع إعطاء درجة من الحكم الذاتي للأحياء المعنية. ويقوم مجلس إداري بريطاني مؤلف من 11 عضواً بالإشراف على المجالس المنتخبة ومراقبة القضايا ذات العلاقة بالمناطق المشتركة والمواقع المقدسة. لقد اعتبر فيتزجيرالد أن القدس غير قابلة للتقسيم بذاتها، لكن وعلى الرغم من ذلك فقد قدم خارطة لتقسيمات قطاعية على طول خطوط "المنطقة الإدارية". الحي اليهودي يقع شمال غرب البلدة القديمة، بينما يمتد الحي العربي من الشمال نحو الجنوب وتكون البلدة القديمة مركزاً له.
ومع إحالة المسألة الفلسطينية إلى هيئة الأمم المتحدة، تم إسقاط المقدمة التي تنص على إبقاء الحكم البريطاني على المدينة، فيما تم التعبير بأقوى المصطلحات عن المبادئ العريضة الخاصة بحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة وحمايتها. وقد دعت خطة التقسيم الصادرة عن الهيئة العامة للأمم المتحدة في شهر تشرين الثاني 1947 (القرار 181) إلى إقامة منطقة دولية "Corpus Separatum" بمساحة تبلغ 258 كم مربع تحت إشراف ووصاية الأمم المتحدة. ومع الاستغناء عن الممر المؤدي إلى الشاطئ، ظلت المنطقة المقترحة تشمل بيت لحم بالإضافة إلى 17 قرية فلسطينية كبيرة ومستوطنتين يهوديتين رئيسيتين. وضمن المنطقة الدولية تلك سوف ينتخب تقريباً 105.000 فلسطيني و 100.000 يهودي بلديتين منفصلتين يتمتعان بشبه حكم ذاتي، بينما تضمن هيئة الأمم المتحدة أن تكون المنطقة منزوعة من السلاح ومحايدة. ويقوم حاكم معين من قبل هيئة الأمم المتحدة بالإشراف على إنشاء قوة شرطة دولية، بحيث تتولى مسئولية الشئون الخارجية وضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة. وخلافاً للخطط السابقة، نصت هذه الخطة على إجراء استفتاء عام بعد 10 سنوات، يقوم بعدها مجلس الوصاية بمراجعة الوضع وإصدار المزيد من التوصيات – بما في ذلك احتمال تقسيم القدس.
ولم تكد خطة المنطقة الدولية، وخطة التقسيم ككل، تحظى بالمصادقة حتى انهارت بالكامل. لقد بدأت الهجمات العنيفة والهجمات المعاكسة على القرى الواقعة ضمن المنطقة المقترحة وكذلك على أحياء القدس مباشرة بعد تصويت الأمم المتحدة. وفي 1 نيسان 1948، صعدت المليشيا الصهيونية من اعتداءاتها ضد القرى الواقعة غرب المدينة. وفي 9 نيسان، تم ارتكاب مجزرة دير ياسين، حيث تم بشكل كامل تفريغ 39 قرية عربية حول القدس من سكانها. كما تمت مصادرة ما يقدر بحوالي 10.000 منزل وعقار داخل المدينة نفسها، وتم طرد سكانها ومالكيها باتجاه الشرق. وفي 15 أيار فقط دخلت القوات الأردنية "الجيش العربي" إلى مدينة القدس من الشرق لحماية المدينة ومنع سقوط كامل المدينة.
وعندما غادر البريطانيون الذين كانوا مكلفين بالحفاظ على النظام وحماية السكان المدنيين في فلسطين في (14 نيسان 1948)، كان تقريباً 85% من مساحة بلدية القدس قد تم مصادرته، وكانت عملية ترحيل السكان الفلسطينيين الباقين في مراحلها الأخيرة. وبحلول شهر شباط (فبراير) 1948 – أي بعد ستة أسابيع فقط من إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة تدويل المنطقة، أعلن بن غوريون أنه: "من نقطة دخولكم للقدس، عبر لفتا (قرية فلسطينية)، رميمه (حي فلسطيني) ... لا يوجد أي عربي. اليهود يشكلون 100% ... في المنطقة الغربية لا يرى المرء أي عربي؛ ولا أعتقد أن هذا الوضع سوف يتغير".